وفي عام ٦٩٩ أغارت المغول على إمارة علاء الدين ففر من وجههم ، والتجأ إلى إمبراطور
بيزنطية ، وتوفي هناك في العام نفسه ، وإن قيل أن المغول قد تمكنوا من قتله ، وتوليه ابنه
غياث الدين مكانه ، ثم إن المغول قد قتلوا غياث الدين ، ففسح اال لعثمان إذ لم تعد
هناك سلطة أعلى منه توجهه أو يرجع إليها في المهمات ، فبدأ يتوسع ، وإن عجز عن فتح
أزميد (أزميت) ، وأزنيق (نيقية) رغم محاصرما ، واتخذ مدينة (يني شهر) أي المدينة الجديدة
قاعدة له ، ولقب نفسه باديشاه آل عثمان .
واتخذ راية له ، وهي علم تركيا اليوم ، ودعا أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام ، فإن
أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية ، فإن رفضوا فالحرب هي التي تحكم بينه وبينهم ، فخشوا على
أملاكهم منه ، فاستعانوا بالمغول عليه ، وطلبوا منهم أن ينجدوهم ضده ، غير أن عثمان قد
جهز جيش بإمرة ابنه أورخان الذي قارب الثلاثين من العمر ، وسيره لقتال المغول فشتت
شملهم .
ثم عاد واتجه إلى بورصة (بروسة) فاستطاع أن يدخلها عام ٧١٧ وتعد من الحصون الرومية
المهمة في آسيا الصغرى ، وأمن أهلها وأحسن إليهم فدفعوا له ثلاثين ألفاً من عملتهم
الذهبية ، وأسلم حاكمها (أفرينوس) ، فمنحه عثمان لقب بيك ، وأصبح من القادة
العثمانيين البارزين. وتوفي عثمان عام ٧٢٦ ، وقد عهد لابنه أورخان بالحكم بعده .
أهم الصفات القيادية في عثمان :
1- الشجاعة : عندما تنادى أمراء النصارى في بورصة ومادانوس وأدره نوس وكته وكستله
البيزنطيون في عام ٧٠٠ ه لتشكيل حلف صليبي لمحاربة عثمان واستجابت النصارى لهذا
النداء وتحالفوا تقدم عثمان بجنوده وخاض الحروب بنفسه وشتت الجيوش الصليبية وظهرت
منه شجاعة أصبحت مضرب المثل .
[size=21][size=21]
الحكمة : لقد رأى من الحكمة أن يقف مع السلطان علاء الدين ضد النصارى ،
وساعده في افتتاح جملة من مدن منيعة ، وعدة قلاع حصينة ، ولذلك نال رتبة الإمارة من
السلطان السلجوقي علاء الدين. وسمح له سك العملة باسمه ، مع الدعاء له في خطبة
الجمعة في المناطق التي تحته .
3- الإخلاص : عندما لمس سكان الأرضي القريبة من إمارة عثمان إخلاصه للدين تحركوا
لمساندته والوقوف معه لتوطيد دعائم دولة إسلامية تقف سداً منيعاً أمام الدولة المعادية
للإسلام والمسلمين .
4- الصبر : وظهرت هذه الصفة في شخصيته عندما شرع في فتح الحصون والبلدان ، ففتح
في سنة ٧٠٧ ه حصن كته ، وحصن لفكة ، وحصن آق حصار ، وحصن قوج حصار. وفي
سنة ٧١٢ ه فتح صحن كبوه وحصن يكيجه طرا قلوا ، وحصن تكرر بيكاري وغيرها ، وقد
توج فتوحاته هذه بفتح مدينة بروسة في عام ٧١٧ ه ، وذلك بعد حصار صعب و شديد
دام عدة سنوات ، كان من أصعب ما واجهه عثمان في فتوحاته .
5- الجاذبية الإيمانية : وتظهر هذه الصفة عندما احتك به اقرينوس قائد بروسه واعتنق
الإسلام أعطاه السلطان عثمان لقب (بك) وأصبح من قادة الدولة العثمانية البارزين فيما
بعد ، وقد تأثر كثير من القادة البيزنطيين بشخصية عثمان ومنهجه الذي سار عليه حتى
امتلأت صفوف العثمانيين منهم ، بل إن كثيراً من الجماعات الإسلامية انخرطت تحت لواء
الدولة العثمانية كجماعة (غزياروم) أي غزاة الروم ، وهي جماعة إسلامية كانت ترابط على
حدود الروم وتصد هجمام عن المسلمين منذ العصر العباسي ، وجماعة (الإخيان) (أي
الإخوان) وهم جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويستضيفوم ويصاحبون جيوشهم
لخدمة الغزاة ويتولون إقامة المساجد والتكايا و الفنادق، وجماعة (حاجيات روم) أي حجاج
أرض الروم ، وكانت جماعة على فقه بالإسلام ومعرفة دقيقة لتشريعاته ، وكان هدفها معاونة
المسلمين عموماً وااهدين خصوصاً وغير ذلك من الجماعات .
[size=21][size=21]
عدله : تروى معظم المراجع التركية التي أرخت للعثمانيين أن أرطغرل عهد لابنه عثمان
مؤسس الدول العثمانية بولاية القضاء في مدينة قره جه حصار بعد الاستيلاء عليها من
البيزنطيين في عام ٦٨٤ ه ، وأن عثمان حكم لبيزنطي نصراني ضد مسلم تركي ، فاستغرب
البيزنطي وسأل عثمان : كيف تحكم لصالحي وأنا على غير دينك ، فأجابه عثمان : بل
كيف لا أحكم لصالحك ، والله الذي نعبده ، يقول لنا : ((إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) فاهتدى الرجل وقومه إلى
الإسلام. لقد عثمان استخدم العدل مع رعيته وفي البلاد التي فتحها ، فلم يعامل القوم
المغلوبين بالظلم أو الجوار أو التعسف أو التجبر ، أو الطغيان ، أو البطش .
7- الوفاء : كان شديد الاهتمام بالوفاء بالعهود ، فعندما اشترط أمير قلعة اولوباد البيزنطية
حين استسلم للجيش العثماني ، أن لا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل
القلعة التزم بذلك وكذلك من جاء بعده .
8- التجرد : فلم تكن أعماله وفتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك
، بل كان فرصة تبليغ دعوة الله ونشر دينه ولذلك وصفه المؤرخ احمد رفيق بأنه (كان عثمان
متديناً للغاية ، وكان يعلم أن نشر الإسلام وتعميمه واجب مقدس وكان مالكاً لفكر سياسي
واسع متين ، ولم يؤسس عثمان دولته حباً في السلطة وإنما حباً في نشر الإسلام). ويقول
بأن وظيفته الوحيدة في الحياة ◌ً مصر أوغلو : ' لقد كان عثمان بن أرطغرل يؤمن إيماناً عميقاً
هي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، وقد كان مندفعاً بكل حواسه وقواه نحو تحقيق
هذا الهدف .
لقد كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة بسبب إيمانه العظيم بالله تعالى واليوم الآخر ،
ولذلك لم تطغ قوته على عدالته ، ولا سلطانه على رحمته ، ولا غناه على تواضعه ، وأصبح
مستحقاً لتأييد الله وعونه ، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة ،
[size=21][size=21]
فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في آسيا الصغرى من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود
والهيبة والوقار ، لقد كانت رعاية الله له عظيمة ولذلك فتح له باب التوفيق وحقق ما تطلع
إليه من أهداف وغاية سامية .
[/size][/size][/size][/size][/size][/size]